خالد الفرج صاحب الموقع
الجنس : عدد المساهمات : 113 نقاط : 342 تاريخ التسجيل : 28/08/2012
الأوسمة الأوسمة: (0/0)
| موضوع: التفاؤل والتشاؤم في الحياة" الأحد أكتوبر 07, 2012 4:35 pm | |
| "التفاؤل والتشاؤم في الحياة" أهمية التفاؤل : يلعب التفاؤل دوراً بعيد المدى في حياتنا النفسية وفي تصرفاتنا ، وفي علاقاتنا بغيرنا وفيما نقوم بوضعه من خطط للاضطلاع بها في المستقبل القريب والبعيد . ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن جميع النشاطات الإيجابية في حياتنا سواء أكانت فكرا ًأم عملا ً إنما ترتبط على نحو أو آخر بما يعتمل في جهازنا النفسي من تفاؤل ، وإن جميع ما يمكن أن يحرزه الفرد أو الجماعات أو الدول من نجاح أو ما يمكن أن تضطلع به من مهام ، إنما يعتمد على مدى الإحساس بالتفاؤل . إن احتمالات النجاح واحتمالات الفشل تعتمد على ركيزتين أساسيتين : الأولى : ركيزة موضوعية ، والثانية : ركيزة نفسية ، والركيزتان لا تنفصلان بل تقوم بينهما وشائج متينة لا سبيل إلى الانفكاك منها . إن ما يدور بخلدنا من أفكار وما يشيع بقلوبنا من مشاعر يؤثر في إدراكنا للواقع الخارجي ، فالشخص الذي يستبد به العطش بعد أن زاغت رجلاه عن الطريق السليم وتاه في الصحراء ، يعمل شوقه الشديد للماء ويؤدي به الظن بأن ما يشاهده بحيرة ماء عذبة ، مع أن ما يقع عليه البصر ليس من الماء في شيء ، بل هو سراب . فليس من المحتم أن يفضي التفاؤل إلى نجاح أو إلى تحقيق الرغبة أو سد الحاجة ، كما أن توافر الإمكانيات الموضوعية بغزارة وتنوعها لا يكفي وحده لبلوغ الأهداف وتحقيق النجاح في الحياة ، إذا لم يتوافر القدر المناسب من التفاؤل ، الذي يدفع الشخص نحو تحقيق أهدافه . والواقع أن أية عملية يراد النهوض بها ، تكون بحاجة إلى إعداد كمية مناسبة من الطاقة الحيوية المناسبة لإنجازها ، على أن تلك الطاقة الحيوية – الخامة البيولوجية – تتلبس بصيغ متباينة بعضها جسمي ، أو وجداني ، أو كلامي ، أو اجتماعي . ومما يقعد بالمرء عن حشد الطاقة اللازمة للقيام بالأعمال وإنجاز المهام البسيط منها والمعقد عدم توافر القدر الكافي من التفاؤل في سبيل تحقيق الأهداف التي ينشد تحقيقها ، فالطالب الذي يرتسم الرسوب أمام ناظريه لا يستطيع أن يبذل جهداً عقليا ًفي الاستيعاب التحصيلي ، بل إنه لا يكاد يستطيع الجلوس إلى مكتبه للاستذكار ، ومهما حثه الوالدان والأصدقاء فإنه لا يستطيع أن ينفض عن نفسه ذلك الخمول الذهني ، أو لا يستطيع أن يعد الطاقة النفسية اللازمة لقيامه بالاستذكار ومجاراة زملائه المجتهدين . يصدر المخ أوامره إلى الجهات المختصة بالجسم لتجهيز الطاقة المطلوبة وإحالتها إلى الصيغ المطلوبة سواء أكانت صيغا ًجسمية ، أم وجدانية ، أم عقلية ، أم كلامية ، أم اجتماعية ، بيد أنه لكي يتسنى للمخ أن يصدر مثل تلك الأوامر بإعداد الطاقة اللازمة للإنجاز فإنه يكون بحاجة دافعية وجدانية معينة ، وتلك الدافعية الوجدانية هي ما نسميه بالتفاؤل . ولا تقتصر أهمية التفاؤل على ما يتسنى للمرء إنجازه من أعمال ، بل تمتد تلك الأهمية إلى ما يمكن أن يشأ من علاقات بينه وبين الآخرين ، أو ما يمكن أن يصدر من أحكام ، سواء أحكام الناس على المرء ، أم الأحكام التي يصدرها المرء على نفسه ، وما ينجم عن ذلك من شعور بالسعادة أو الشقاء . ولا شك أن كل إنسان يصدر بدوره أحكاما ًعلى الآخرين كما يصدرون أحكاما ًعليه . فالمتفائل يحظى بأحكام يصدرها الآخرون عليه تشجعه على دوام التعامل معهم بثقة وارتياح ، كما أنه يصدر أحكاما ًعلى الناس تكون غير مشوبة بالشكوك والهواجس ، وهكذا نجد أن المتفائل يسعد بالآخرين ويسعدهم في الوقت ذاته ، بل إنه يسعد بنفسه وبالعالم المحيط به ، وبالحاضر والمستقبل ، بل إنه يتمتع بنظرة يتخذ من تفاؤلية نقطة انطلاق إلى مستقبل أكثر نجاحا ًوإشراقاً من الحاضر ، فالنجاح يفضي إلى تفاؤل أكثر ، والتفاؤل يتزايد ويكثر في وجدان وحياة الشخص المتفائل . التشاؤم : على الرغم من أننا لا نود أن نتخذ من التشاؤم فلسفة لنا في الحياة ، فإننا لا نستطيع مع ذلك أن ننكر الدور الذي يلعبه التشاؤم في الحياة ، العقلية أم النفسية أم الاجتماعية ، فالتفاؤل والتشاؤم مقومان أساسيان من مقومات الحياة ولا يمكن أن تخلو حياة أي شخص من أي منهما ولكن بنسب متباينة ، فإذا ما رجحت كفة التفاؤل على كفة التشاؤم كان الشخص متفائلاً ، وعلى العكس فإذا ما رجحت كفة التشاؤم على كفة التفاؤل كان الشخص متشائما ً. وعلى هذا فإنه مهما بالغنا في رغبتنا في أن نكون متفائلين ، فلا بد أن يكون للتشاؤم دور ولو بسيط في حياتنا ، فمهما زعم المرء من تفاؤل يستهديه في حياته ، وفي علاقاته بغيره ، فلا بد أنه سيكون متشائماً على نحو أو آخر في جانب ما من جوانب حياته وفي بعض المواقف أيا ًكانت تلك المواقف . وثمة فرق جوهري بين ما يقتنع به الشخص من جهة ، وبين ما توسوس به نفسه ويعتمل في أعماق حياته الوجدانية وفي أغوار نفسه من جهة أخرى ، فكثيرا ًما يتم الإعلان عن القناعة والإيمان بأمر ما نظريا ً، لكن في الحقيقة يكون ذاك الإقناع ذهنياً لا يرتبط بوشائج متينة وعميقة بما يشكل تماسك الكيان الوجداني ، فقد تعلن لأصدقائك أنك رجل متفائل ، وبعيد عن التشاؤم ، ولكن المتفحص لحالتك والمتتبع لسلوكك والمحلل لما تقوله ، ولما يصدر عنك من حركات وتصرفات يتأكد أنك من أكثر الناس تشاؤما ً، فليس كل ما يقال يكون حقيقياً ، بل وليس كل ما نقتنع به بكون واقعا ًفي نطاق إيماننا ومن صلب شخصياتنا . ولا يخلو التشاؤم من بعض الجوانب الإيجابية فتجنب الشخص للخطأ أو الخطيئة أو السلوك غير المستحب إنما هو في الواقع نتيجة مترتبة على النظرة التشاؤمية إلى ما يمكن أن يقع لو أن الشخص قد وقع في الخطأ أو الخطيئة أو سلك السلوك غير المستحب . إذا قلنا إن التفاؤل كالنور يهدينا في سلوكنا ، فإننا نقول من جهة أخرى إن التشاؤم كالظلام تحذره حتى لا تنزلق أرجلنا في نطاقه فتضل وتتعثر أقدامنا في غيابه من دون أن نجد لنا هاديا ًيهدينا أو حاميا ًيحمينا من مغبة ما تردينا فيه . وللإحساس بالتشاؤم لدى بعض الأشخاص فاعلية تنبؤيه حقيقة بالدراسة وإن كانت تقع في نطاق الغيبيات ، والحري بنا ألا نغض النظر عن كل ما هو غيبي خوفا ًمن أن نتهم بأننا نؤمن بالخرافات ، ذلك أن اقتصار الإيمان على نطاق المحسوسات فحسب يلغي الجانب المعنوي الخلاق لدى كل شخص فنحن لسنا مرتبطين بعالم المحسوسات فحسب بل تعتمل في أنحائنا الداخلية مقومات روحانية ما تزال مستغلقه على فنون العلم الطبيعي ، فلدينا قدرة تنبؤيه تحتدم لدى بعض منا وتخبو لدى بعضنا الآخر ، ومنا من يحس بالتشاؤم فيقول لك إن شيئاً ما خطيراً أو كريهاً أو غير مستحب سيقع ، وما أن يمر وقت يقصر أو يطول حتى تترجم المشاعر التشاؤمية لديه إلى واقع فعلي في حياة ذلك الشخص ، وقد يمكن تفسير بعض ما يحدث في ضوء العوامل النفسية ، كما قد يعجز التفسير العلمي عن تقديم ما يثبت أن ثمة ارتباطاً بين ما يحدث وبين ما سبق أن أحس به الشخص . إن القدرة التنبئية وفق رأي بعض الباحثين تكون في بعض الحالات التشاؤمية مصحوبة بالقدرة على تجنب الخطر أو الشر أو الخطأ ، ومن ثم فإن التشاؤم التنبؤ يكون بمثابة تحذير للشخص حتى يتجنب بعض المخاطر أو بعض المواقف الحرجة . يقول أحد الذين نجوا من كارثة انهيار أحد المنازل على سكانه إنه وجد نفسه فجأة لا يطيق البقاء بشقته لحظة واحدة وكأن كابوسا ًيخيم على رأسه ، أو كأن جنيا ًيقوم بخنقه فقام منقبضا ًوارتدى ملابسه تاركا ًأهله بالمنزل بغير أن يعرف الوجهة التي يتجه إليها ، كل ما كان يلح عليه وقتئذ هو ضرورة الخروج بسبب إحساسه المحتدم بالانقباض والإحساس الغامض بأن شيئاً سوف يقع ، وبعد أن خرج من البيت وقد بعد عنه بضعة أمتار سمع صوتا ًهائلا ًورأى بيته المكون من ستة طوابق ينهار على من فيه ويتبدد أشتاتا ًمستحيلاً إلى كومة هائلة من الأنقاض . وفي الواقع يجب التأكيد مرة أخرى على أن التفاؤل والتشاؤم صنوان لا يفترقان لدى كل شخص مع الفارق في كمية كل منهما واشتداد فاعليته في حياته وسيادته على أنحاء شخصيته . | |
|